توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع بلاء :
أيها الأخوة الكرام، تعلمون يقيناً أن الإنسان هو المخلوق الأول عند الله رتبة، لقوله تعالى:
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ)
[سورة الأحزاب: 72]
فلما قَبِل هذا الإنسان حمل الأمانة أعطاه مقوماتها، أعطاه عقلاً، وأعطاه نفساً، أعطاه منهجاً، أعطاه شهوة، أعطاه حرية، أعطاه أشياء كثيرة، هذه الأشياء مقومات هذا الاختيار، الشيء الواقع أنه لحكمة بالغة بالغة جعل الله من عباده من هو قوي ومن هو ضعيف، ومن هو غني ومن هو فقير، ومن هو وسيم ومن هو غير وسيم، تفاوت الحظوظ له حكمة بالغة بالغة، هذا التفاوت يعني أن الإنسان ممتحن بحظوظه التي آتاه الله إياها سلباً أو إيجاباً، أعطاه المال ممتحن بالمال، حرمه المال ممتحن بحرمانه من المال، أعطاه الوسامة ممتحن بالوسامة، لم يعطه وسامة ممتحن بخلافها، أعطاه القوة ممتحن بالقوة، لم يعطه القوة ممتحن بخلافها، فهذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي، لذلك بحياتنا أناس أقوياء وأناس ضعفاء، والقوي ممتحن بالقوة، هل ضبطها؟ هل جعلها وفق منهج الله؟ هل استعان بها على عمل صالح تمتد آثاره إلى أبد الآبدين أم استغل هذه القوة بشهواته ومآربه الشخصية؟ يمتحن الإنسان بالقوة، أعطاه مالاً يمتحن بالمال، هل أنفقه على كل محتاج ومسكين أم أنفقه على ملذاته وشهواته؟ أعطاه مكانةً، أعطاه علماً، أي شيء أعطاك الله إياه أنت ممتحن به، وأي شيء زوي عنك أنت ممتحن بهذا الإذواء، لذلك: